لبنان… الرواية التي لم تكتمل

لبنان… الرواية التي لم تكتمل
بقلم الدكتوره علا عيد
في هذا الوطن الصغير الذي كاد البحر يختنق من كثرة ما ابتلع من أسرار، كلّ شيء صار مسرحًا للفقد.
السياسة حربٌ بلا نار، والحرب سياسةٌ بلا عقل. الأكاذيب تسكن نشرات الأخبار، وتخرج من أفواه الذين وعدونا بالقيامة، فإذا بنا نغرق في القيامة ذاتها.
صار الوطن نشرةَ حوادثٍ متواصلة: قتيلٌ في حادث سير، آخر في مشاجرة، ثالث في جرعة زائدة… كأننا لا نعيش، بل نُعدُّ للرحيل بطرقٍ مختلفة.
في الشوارع أكوامٌ من الإهمال، وفي السماء دخان حرائق يكتب بالرماد أسماء المدن التي تحترق كل صيفٍ بلا سببٍ ولا خجل.
في الليل، تهرب الأحلام من عيون الشباب، وتستيقظ رائحة الحبوب والمخدّرات في الأزقّة.
أصبح الوطن مختبرًا لتجارب الفساد، ومقبرةً للصدق، ومسرحًا كبيرًا لعرضٍ لم يعد أحد يصفّق له.
لكن… ما زال في هذا الخراب شريانٌ ينبض.
ما زالت امرأةٌ تشعل شمعةً أمام صورة شهيد، وطفلٌ يحمل حقيبته إلى مدرسةٍ بلا كهرباء، وشابٌّ يكتب في الليل أنّ القصيدة أقوى من الطغاة.
هؤلاء وحدهم يحفظون شكل الوطن، كأنّهم آخر الحُرّاس على بوابة النور.
لبنان ليس ميتًا، بل معلّقٌ بين موتٍ طويلٍ وحياةٍ تنتظر من يجرؤ على البدء من جديد.
نحن لا نحتاج إلى خطاباتٍ جديدة، بل إلى إنسانٍ جديد…
إلى فكرٍ لا يبيع دم الوطن في مزاد المصالح، إلى مشروعٍ لا يبدّل وجهه عند كل أزمة، إلى صدقٍ يُعيد للأرض معناها.
لبنان لا يريد شفقة، بل نهضة.
نهضةٌ تبدأ من الوعي، من الكلمة، من الإرادة، من كلّ من لا يزال يؤمن أنّ الخلاص لا يأتي من الخارج، بل من الداخل… من الإنسان حين يعرف من يكون.
