إقتصاد

الإصلاح السياسي والحوكمة: المدخل الإلزامي لأي معالجة اقتصادية في لبنان

*الإصلاح السياسي والحوكمة: المدخل الإلزامي لأي معالجة اقتصادية في لبنان*

كتب المستشار د. عبدالقادر أسعد

في ظل الانهيار المالي والاقتصادي المتفاقم الذي يعيشه لبنان، تتجه الأنظار مجدداً نحو ضرورة معالجة جذور الأزمة، بعيداً عن الحلول الترقيعية أو التقنية التي يتم تسويقها بين الحين والآخر. ويؤكد الخبراء أن الإصلاح السياسي والحوكمة الرشيدة يشكلان حجر الزاوية لأي خطة إنقاذ حقيقية، إذ لا يمكن لأي إجراءات اقتصادية أن تنجح في ظل هيكل سياسي مأزوم وبيئة فاسدة تفتقر إلى الثقة والمساءلة.

المستشار الدكتور عبدالقادر أسعد يشير بوضوح إلى أن الإصلاح السياسي ليس مجرد خيار مطروح، بل هو شرط وجودي لبناء الدولة واستعادة الثقة المحلية والدولية، مع طرحه خريطة طريق واضحة تنطلق من ثلاث ركائز أساسية مترابطة.




أولاً: حكومة كفاءات مستقلة قادرة على اتخاذ القرار

الخطوة الأولى تتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط مصغّرة (18 – 20 وزيراً) تضم خبراء مستقلين غير خاضعين لسلطة الأحزاب التقليدية أو للمحاصصة الطائفية، بهدف استعادة الثقة الشعبية والدولية.

المهام الأساسية لهذه الحكومة:

قيادة مفاوضات شفافة ومسؤولة مع صندوق النقد الدولي.

إعداد وتنفيذ قانون لتوزيع الخسائر بشكل عادل.

الإشراف على انتخابات نيابية مبكرة.

إطلاق الإصلاحات الهيكلية وعلى رأسها إصلاح قطاع الكهرباء.



ثانياً: قضاء مستقل قادر على المحاسبة واسترداد الأموال المنهوبة

لا يمكن بناء دولة من دون قضاء قوي وحرّ. لذلك يدعو الدكتور أسعد إلى:

انتخاب مجلس قضاء أعلى بعيداً عن التأثيرات السياسية.

تمويل القضاء بما يضمن استقلاليته وكرامة قضاته.

تفعيل هيئات الرقابة والمحاسبة.

إصدار قانون لعزل القضاة الفاسدين.


فالقضاء المستقل هو الجهة الوحيدة القادرة على:

محاكمة الفاسدين واستعادة الأموال المنهوبة.

حماية حقوق المودعين والمستثمرين.

تطبيق القانون على الجميع دون تمييز.

معالجة ملفات كبرى كتحقيقات انفجار مرفأ بيروت.




ثالثاً: إصلاح الإدارة العامة وتحريرها من الفساد والزبائنية

الإدارة العامة هي الذراع التنفيذية للدولة، لكنها اليوم تعاني من الترهل والمحسوبيات. ويشدد المقترح على:

وضع نظام مناقصات إلكتروني شفاف.

تقليص التعيينات السياسية واعتماد الكفاءة.

رقمنة الخدمات الحكومية لتقليل الرشوة والوساطة.

تحديث نظام المشتريات العامة وتحسين كفاءته.


فالإدارة الفاسدة تستنزف المال العام، تعطل الاستثمار، وتدمّر الخدمات الاجتماعية والبنى التحتية.



كيف تفتح هذه الإصلاحات الباب أمام التعافي الاقتصادي؟

1. استعادة الثقة داخلياً وخارجياً عبر حكومة كفوءة وشفافة.


2. تلبية شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لبدء أي دعم مالي.


3. توفير موارد مالية عبر استرداد الأموال المنهوبة.


4. إعادة بناء العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة على أساس العدالة والمحاسبة.




خلاصة القول:

الإصلاح السياسي والحوكمة الرشيدة ليسا ترفاً فكرياً أو ترفاً سياسياً، بل هما البوابة الوحيدة التي يمكن أن تعبر منها الحلول الاقتصادية نحو التطبيق والتنفيذ. وبدون هذا الإصلاح البنيوي سيتمدد الانهيار، وتبقى كل الخطط حبراً على ورق.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى