في ظل غياب الدولة… رجال أعمال يملؤون فراغ الإنماء في مناطق الحرمان

في ظل غياب الدولة… رجال أعمال يملؤون فراغ الإنماء في مناطق الحرمان
عكار أولاً – محمود خضر شتيوي
في وقتٍ تعاني فيه العديد من المناطق اللبنانية، ولا سيما محافظة عكار، من غيابٍ شبه كاملٍ للدولة عن واجبها الإنمائي والخدماتي، ومع استمرار تقاعس الحكومة وتقصير نواب المنطقة في ترجمة الوعود إلى قوانين فعلية ضمن مشروع الموازنة، يبرز بعض رجال الأعمال كمبادرين لتعويض هذا الغياب الفاضح.
وفيما يغيب نواب عن التوقيع على القوانين، وتبقى حصة منطقتهم من المشاريع “صفرًا رقميًا”، يبادر رجال أعمال إلى إضاءة الطرقات، وبناء مؤسسات تعليمية واستشفائية، وتأمين أدوية للمستوصفات، بشرط أن تكون الخدمات عامة وشاملة لجميع المواطنين.
ورغم ما يُثار أحيانًا من أن هذه المبادرات قد تحمل طابعًا انتخابيًا أو ترويجيًا شخصيًا، إلا أن الواقع على الأرض يفرض دعمها، لأن تقديم الإنماء تحت أي عنوان يبقى أفضل من شراء الذمم أو استغلال الفقر في المواسم الانتخابية.
كمجتمعٍ مدني وأهلي متعطّشٍ للتنمية، يرى كثيرون أن أي مبادرة تنموية، حتى لو كانت خلفيتها سياسية، تظل أكثر احترامًا من مشهد الغياب الرسمي الكامل والوعود الفارغة التي أنهكت المنطقة لعقود.
كذلك، في ملف النفايات الصلبة، الذي يُعد من أكثر الملفات حساسية وتشعّبًا، برز من حمله بكل وعيٍ وتفانٍ، رغم أنه ملف “أميريّ الطابع” ومعرّض للهجوم والنهش من جهات متعددة، في ظل تجاهلٍ رسميٍ وإعراضٍ واضحٍ من المعنيين.
وبرغم هذه التحديات، تقدّم رجلٌ نذر نفسه للخدمة العامة، إلى جانب فريقٍ من الإداريين والمستشارين والناشطين البيئيين والإعلاميين، فحملوا الملف بكل ما فيه من ألغام، وعملوا على تفكيكه بصمتٍ وعزيمةٍ، حتى بلغ مراحله الأخيرة بانتظار خواتيم مأمولة تنقذ المنطقة من كارثةٍ بيئيةٍ مستمرة.
هو نموذج عن المسؤولية الجماعية حين تتقدّم المصلحة العامة على المغانم الخاصة، وعن الدور الريادي الذي يمكن أن يلعبه الفرد المؤمن بقضيته في ظل غياب الدولة.
ولا ننسى أولئك الذين يضيئون عتمة القرى والبلدات والطرقات العامة عبر مشاريع إنارة عملية تتجاوز الشعارات والتصريحات الرنانة، وصولًا إلى المنح التعليمية لطلاب المرحلتين الثانوية والجامعية، دعمًا للعلم والمعرفة، وإيمانًا بأن النهوض بالمجتمع يبدأ من الاستثمار في الإنسان.
ففي وقتٍ يغيب فيه الضوء عن الطرق كما يغيب عن السياسات العامة، يبرز من يبادر إلى التنفيذ الفعلي بعيدًا عن التنظير والوعود الانتخابية الجوفاء التي ما زالت حتى اليوم عاجزة عن شق طريقٍ واحد نحو الواقع.
تحية لكل من اختار الفعل على القول، والعمل على الوعد، وجعل من الإنماء التزامًا يوميًا لا موسميًا، فهؤلاء وحدهم من يصنعون الفرق ويعيدون الثقة المفقودة بين الناس والدولة.
وهذا ما كنا نرتجيه دومًا: أن تتحوّل المائة دولار التي تُدفع لشراء الصوت الانتخابي إلى مساهمة في مشروعٍ إنمائيٍ عام تستفيد منه المنطقة بأسرها، بدل أن تُهدر في لعبة شراء الذمم الموسمية.
فبدل أن تكون الأموال وسيلةً للابتزاز الانتخابي، تصبح أداةً لبناء مستشفى، أو إنارة طريق، أو دعم التعليم والاستشفاء، بما يُعيد شيئًا من الكرامة للمواطن، ويُكرّس مفهوم الإنماء الحقيقي الذي لا يقوم على التبعية، بل على الشراكة في النهوض بالمنطقة.