أخبار محلية

توازن الإشادة والنقد: بين تفاؤل اللحظة وعبء التاريخ.


بقلم: ميراز الجندي، كاتب ومحلل سياسي

إن التعقيد السائد في المشهد السياسي اللبناني بات يتطلب منا وقفة تأمل تتجاوز ثنائية الولاء والعداء، لترسخ مبدأ الإشادة المستنيرة التي تفصل بوضوح بين دعم الخطوات الصحيحة ورفض التبعية العمياء. إن التقييم السياسي الرصين لا يقوم على العواطف، بل على المصلحة الوطنية العليا والالتزام بمسار الدولة الحديثة.

بين إلهام الخطاب وثقل المستشارين

لقد تابعنا، بإمعان، الخطاب الذي تلا قسم اليمين للقائد العسكري المنتظر، الرئيس جوزاف عون. ورغم موقفنا المبدئي والواضح الرافض لوصول قائد عسكري إلى رأس سلطة مدنية، لكي لا تتكرس مقولة “عسكرة” القرار المدني، إلا أننا لم نتردد في التعبير عن تقديرنا وتفاؤلنا ببعض النقاط التي وردت في الخطاب. فالتصفيق لبارقة أمل لا يعني تحولنا إلى أتباع، بل هو اعتراف بضرورة بناء جسور الثقة مع أي مسار يعِد بكسر حلقة الانهيار.

لكن التفاؤل يبقى حذراً ومُعلّقاً على ما هو أعمق من النوايا الفردية: يتعلق الأمر بـالفريق المحيط. إن تاريخ المستشارين والأجنحة السياسية التي قد تُحيط بالرئيس يحمل عبئاً ثقيلاً من ممارسات المحاصصة المقيتة والذهنية الميليشياوية التي أنتجت الأزمة. إن هؤلاء يشكّلون حائط صد حقيقي أمام أي مبادرة تغيير، وقد يُحوّلون الرغبة في التجديد إلى مجرد استنساخ للمنظومة القديمة. وهنا تكمن الفرصة الأخيرة: التنصل الواضح من منطق المحاصصة وتعيين كفاءات وطنية مستقلة.

سلام: القانون كبوصلة للنجاة


في خضم هذا التجاذب، يبرز اسم الرئيس نواف سلام كنموذج لمرجعية الحكم التي يجب أن يُحتذى بها. إن موقفه الثابت والراسخ على ركيزة القانون والدستور، بوصفه قاضي العدالة الدولية وابنها، يُمثل الضمانة الحقيقية التي يحتاجها لبنان للخروج من فوضى الاستنسابية والمناكفات. إن مواقف وخطوات الرئيس سلام تثمَّن لأنها لا ترتكن إلى التسويات الهشة، بل إلى سيادة القانون التي هي أساس الدولة والعدالة، وهي الترياق الضروري لمواجهة مفاهيم الفساد والإفلات من العقاب.

ساعة الحقيقة: المراقبة الدولية ورهان الشعب



إن وهم الاعتقاد بأن لبنان لا يزال يشكّل أولوية مطلقة للمجتمع الدولي والعربي قد تبدّد. العالم يراقب الأداء وفق معايير واضحة، تبدأ بالتزام لبنان بقراراته الدولية، وفي مقدمتها القرار 1701، مروراً بالمعايير المتعلقة بالإصلاح المالي والشفافية. إن التلكؤ في تنفيذ هذه الاستحقاقات يعني تحويل لبنان من “رسالة” إلى “عبء”، وقد يفقده أهميته الإقليمية والدولية.

لذا، بات الواجب الوطني يفرض علينا جميعاً التهيّؤ لانتفاضة شعبية جديدة وضرورية. انتفاضة لا تكتفي بالنقد والاحتجاج، بل تُنظّم صفوفها لتكون قوة ضغط سياسية جامعة تفرض تصحيح المسار، وتُلزم جميع المسؤولين، الجدد والقدامى، بتحكيم الدستور والقانون وتقديم المصلحة الوطنية على مصالح الفئة أو الطائفة.

إنها الفرصة الأخيرة: إما دولة قائمة على القانون، أو لا دولة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى