هل قدّر للعلاقة مع إسرائيل أن تبقى معمّدة بالدم؟

بقلم: الدكتورة علا عيد
في ظلّ ما يعيشه لبنان والمنطقة من توترات مزمنة وحروب متقطعة، يُطرح سؤال جوهري بعيدًا عن ردود الفعل العاطفية والمواقف الجاهزة: هل يجب أن تبقى العلاقة مع إسرائيل محكومة بمنطق الدم والعداء المفتوح إلى ما لا نهاية؟
أليس من المشروع أن يُطرح خيار آخر، عقلاني، سيادي، لا يقوم على الولاء، بل على رؤية سياسية تحمي الدولة والشعب والمستقبل؟
هذا السؤال، وإن بدا صادمًا للبعض، لا ينفصل عن جوهر النقاش الدائر اليوم في لبنان، ولا سيما بعد الموقف الأخير للنائب وليد البعريني، الذي دعا إلى مقاربة العلاقة مع إسرائيل من منظور وطني عقلاني، وليس من زاوية الشعارات أو المزايدات. وهو موقف لم يأتِ من فراغ، بل يجد له سندًا حتى في التاريخ الإسلامي، وفي فقه السياسة الشرعية.
عندما صالَح النبي خصومه دون أن يُفرّط بثوابته
اللافت أن كلام النائب البعريني يتقاطع مع ما أورده العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز في واحدة من فتاواه الشهيرة، حين قال:
“الصلح مع اليهود لا يعني مودّتهم ولا موالاتهم، بل يهدف إلى تحقيق الأمن وكف الأذى بين الطرفين.”
وفي هذا الإطار، لا بد من العودة إلى سيرة النبي محمد ﷺ في تعامله مع يهود المدينة، حيث كان التعامل محكومًا بالسياسة والمصلحة العامة، وليس بالدين أو العاطفة.
النبي، كقائد دولة، أبرم وثيقة المدينة التي نظّمت العلاقات مع اليهود وغيرهم، وضمن فيها الأمن للجميع، طالما التزموا بالاتفاق.
فلماذا إذًا لا يُتاح لنا اليوم، كلبنانيين، التفكير بعقل الدولة لا بعاطفة الشارع؟ ولماذا يتم قمع كل نقاش عقلاني ووصمه بالعمالة، بدل أن يُفتح الباب أمام حوار وطني صادق ومسؤول؟
ما طرحه البعريني… خيار وطني لا موقف أيديولوجي

في حديثه، لم يطرح النائب وليد البعريني موقفًا أيديولوجيًا منحازًا لإسرائيل، بل موقفًا مشروطًا بالمصلحة اللبنانية الخالصة.
فهو لم يدعُ إلى التطبيع، ولم يطالب بالتخلي عن الثوابت، بل دعا إلى التفكير بهدوء في الخيارات التي تحمي لبنان من الحرب، وتستعيد أرضه وحقوقه، وتحمي شعبه من الانهيار والانقسام.
وهذا الطرح ليس غريبًا ولا شاذًا، بل يلتقي مع أصوات عديدة داخل لبنان وخارجه، ترى أن استمرار حالة العداء الدائم دون أفق سياسي أو تفاوضي لا تعني الصمود، بل الاستنزاف، وأن الوقت قد حان لإعادة فتح النقاش من منطلق المصلحة الوطنية، لا التبعية أو الاصطفاف الإقليمي.
نقاش هادئ أم ردود فعل غوغائية؟

المفارقة المؤسفة أن طرحًا كهذا قوبل، كعادته، بسيل من الشتائم والتخوين، وكأن النقاش في القضايا المصيرية ممنوع، وكأن الوطنية لا تُقاس إلا بمدى ارتفاع الصوت، لا عمق الفكرة.
وهنا، يُطرح سؤال:
إذا كان النبي ﷺ قد صالَح أعداءه في لحظات معينة حفاظًا على الدولة والمجتمع والدعوة، فهل نحن أقل حكمة أو أقل قدرة على اتخاذ قرارات تنقذ لبنان دون أن نفرّط بسيادته وكرامته؟
خاتمة: بين الدم والعقل، ثمة مساحة للتفكير
لا أحد يطالب بالاستسلام، ولا أحد يروّج للتنازل. لكن بين خيار الحرب الدائمة وخيار الخضوع، هناك طريق ثالث: طريق السياسة السيادية الواقعية، التي تضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار.
ربما آن الأوان لأن نخرج من عقلية التخوين وندخل في عقل الدولة. فالوطن لا يُحمى بالشعارات، بل برؤية شجاعة ومسؤولة، تبحث عن السلام دون أن تفرّط في الحق، وعن الاستقرار دون أن تساوم على الكرامة.