تعليم

في حضرة الختام: المدرسة الرسمية، الامتحانات، والأمل الذي لا يُهزم.


بقلم د. علا عيد

عند مفترق الصيف، تتهادى أرواح التلامذة على عتبات الوداع، وتهدأ أنفاس المدارس بعد شهورٍ من التعب الجميل. انتهى العام الدراسي، لا كخاتمةٍ بل كبدايةٍ أخرى تُولد من رماد التجربة. ها هم التلامذة يخرجون من قاعات الامتحانات، يحملون أوراقهم كمن يحمل مصيره بيديه، عيونهم ممتلئة بأسئلة لا تُقال، وقلوبهم ترتجف من الحلم.

لكن بين كل هؤلاء، ثمة بطلٌ صامت، ينهض كلّ صباحٍ قبل قرص الشمس، ويعود إلى بيته مثقلاً بمطبّات الحياة: المعلّم.
ذاك الذي لا ترفعه الصحف، ولا تكرّمه المنابر كما يجب، هو الذي صمد في وجه الانهيار، وانتصب واقفًا في زمن الانحناء، وعلّم رغم وجعه، وحَفِظ كرامته في زمنٍ تُباع فيه الكرامة بأبخس الأثمان.

المدرسة الرسمية في لبنان، تلك التي أرادوها أن تنهار، ما زالت تقوم من تحت الردم. لم تمت. لم تستسلم. فيها دفءٌ لا تشتريه الأقساط، وفيها علمٌ لا يُباع على الأرصفة. فيها الأستاذ الذي يُدرّس من جيبه، ويُعطي من قلبه، ويختصر وجعه ليزرع أملاً في قلب طفل.

أيّها الوطن، لا تنهض إلا بالعلم.
وأيّها الشعب، لا كرامة لك إلا إن دعمت معلّمك ومدرستك الرسمية.
ليس من نهضةٍ تُبنى على أنقاض التعليم، وليس من مستقبل يُكتب من دون أن نحمي الذين يعلّمون أولادنا كيف يُكتب.

الامتحانات الرسمية، رغم كل الجراح، تبقى شهادة وجود لهذا الوطن المتعب. إنها الدليل أن دولتنا لم تمت بعد، وأن المدرسة الرسمية ما زالت حيّة، تُناضل، تُخرّج الأمل من صمت الجدران.

فلنقف اليوم، لا فقط لنصفّق للمتفوّقين، بل لنرفع قبعاتنا احترامًا لجيش المعلمين والمعلمات، الذين خاضوا المعركة بلا دروع، وصمدوا رغم الجوع.

لندعم المدرسة الرسمية لا منّةً بل واجبًا.
ولننظر إلى المعلّم لا كموظف، بل كركيزة وطنية لا يُبنى المستقبل بدونها.

العام الدراسي انتهى، نعم، لكن دروسه باقية:
في الكرامة، في النضال، في الإيمان بأن العلم يُنقذنا حين تخذلنا السياسة.


اكتشاف المزيد من عكّار

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى