بقلم الدكتوره علا عيد
في زمن الخيبات الدستورية المتمثلة بالانقضاض على وثيقة الوفاق الوطني واحترام المكونات اللبنانية الطائفية والمناطقية، بات الحديث عن اللامركزية الادارية واللامركزية الموسعة من الأولويات، وهذا الطرح عاد بقوة مع سعادة النائب وليد البعريني الذي أعلن المواجهة الوطنية والأخلاقية والقانونية دفاعا عن المحافظة التي قدّمت الغالي والنفيس من أجل لبنان، هي عكار الشهداء والجيش حامي الوطن، هي عكار الخزان البشري الوطني الذي دافع عن السيادة والحرية والاستقلال في أصعب الظروف التي مرّت بها البلاد.. كما جاء طرح البعريني ليدخل في صلب الفدرالية التي اعتبرها المدخل الأساسي للانتقال إلى شكل جديد للدولة..
وهنا نؤكد على فكرة البعريني حيث نجد علميا أن الفارق بين اللامركزية والفيدرالية، هو أن اللامركزية تتعلق بالتنظيم الإداري للدولة، بينما تتعلق الفيدرالية بشكل الدولة. كما أن اللامركزية تبحث في نطاق القانون الإداري، في حين تجد الفيدرالية مكانها في إطار القانون الدستوري. وهنا نشير الى أن الدول تصنف، وفقاً للقانون الدستوري العام، وهي تصنيفين: الدول الموحدة أو البسيطة، والدول المركبة، وهذه الأخيرة قد تأخذ شكل الفيدرالية أو اللامركزيه.
أما المقاربة التي يطرحها سعادة النائب وليد البعريني فهي الأكثر جدلا في الأوساط السياسية والادارية اللبنانية الا أنه ربطها بالأدلة القانونية والدستورية وطلب مناقشتها بجدية في المجلس النيابي، معتبرا أنه يحكم الفيدرالية مبادئ، منها مبدأ عام أول وهو قانون المشاركة Loi de participation، أما المبدأ الثاني الحاكم للفيدرالية ويميزها هو قانون الاستقلال الذاتي Loi du autonomie ويعني اشتراك كل دولة عضو في الدولة الفيدرالية بتكوين الإرادة العامة لهذه الدولة، وذلك عن طريق اشتراكها في تكوين الهيئة التشريعية الفيدرالية. أي أن يكون لكل عضو الحق في امتلاك دستور وتشريعات خاصة صادرة عن مجلسها التشريعي الخاص.
وهنا نريد الاشارة الى أن ما يميز ايضا مبدأ الفيدرالية عن اللامركزية هو في أن توزيع الصلاحيات بين الدولة المركزية والدول الأعضاء يتم عن طريق الدستور الاتحادي، وهذا الدستور لا يمكن تعديله إلا بإتباع أصول خاصة. فاللامركزية الإدارية قد تنقلب الى لامركزية سياسية أو إلى فيدرالية، إذا ما أعطيت المجموعات المحلية حرية واسعة واستقلالاً في إدارة شؤونها المحلية، وهذا مطلب محق للبعريني باعتباره يمثل حالة شعبية جماهيرية في منطقته بالاضافة الى أنه يتميز بكاريزما القيادة التي استطاع من خلالها تثبيت وجوده كحالة قيادية استثنائية في عكار بشكل خاص، وعلى مستوى نشاطاته الوطنية بشكل عام.
وإذا اتسعت صلاحيات الفدرالية الإدارية لتشمل صلاحيات التشريع وسن القوانين، فيمكن القول هنا أنه لدى المجموعات المحلية الخاصة بتوجه النائب البعريني ميلاً طبيعياً نحو الاستقلال وإعلان الحكم الذاتي، خاصة بعد الهجمة الشرسة على المكون العكاري وتهميشه وكأنه يختلف في أصله وتاريخه وثقافته ولغته ودينه عن باقي المجموعات التي يتألف منها المجتمع السياسي المُكون للدولة اللبنانية.
وعلى العكس من الأصوات المنددة بالفدرلة، بات واضحا أن إهمال عكار هو المدخل لعدم اعتبار اللامركزية السياسية أو الفيدرالية ليست صيغة تقسيمية بالنسبة للبعريني، وإنما يرى فيه نظاما “يجمع ويوحد ولا يُقسم”.
اليوم، وعشية معركة تشكيل الحكومة اللبنانية والأزمات الاقتصادية والمعيشية المتراكمة، يعود الحديث مع البعريني عن الفيدرالية فهل يتجه لبنان الى الفيدرالية كشكل للدولة؟ أو سيذهب الى التقسيم والتفتيت والتشرذم؟ هذه الأسئلة وغيرها برسم إرادة الشعب اللبناني أولا وأخيرا.
طرح البعريني عن الفيدرالية قوة في زمن الخيبات!
