أخبار محلية

بين مآسي الواقع واستحقاقات الدولة: سيادة تُنتَهك… وعدالة غائبة

بين مآسي الواقع واستحقاقات الدولة: سيادة تُنتَهك… وعدالة غائبة

بقلم محمد قصب : ناشط سياسي لبناني مستقل من دعاة السيادة والعدالة



في كل مرحلة من تاريخ لبنان الحديث، كانت هناك عناوين عميقة تحمل الأمل بإعادة بناء الدولة. ولعلّ أبرزها تجلّى في عهد الرئيس فؤاد شهاب، الذي ربط السلطة بالمؤسسة، والخطاب بالفعل، والإدارة بالكفاءة، والاستقلال بالسيادة. بالطبع لم يكن عهده خالياً من التحديات ولا مثالياً افلاطونياً، لكنه ترك نموذجًا لدولة ذات سيادة تحاول أن تحكم بالحق لا بالمحاباة، وتخطط للمستقبل لا تعيش على ردات الفعل.

اليوم، يقف اللبناني أمام مشهد مغاير تمامًا، تتراجع فيه هيبة الدولة، وتتآكل فيه ثقة المواطن بمؤسساته.
خطاب القسم كان نموذجياً وقوياً ولكن بدأنا نخشى ان يبقى حبراً على ورق، والبيان الوزاري مغايراً لكل ما سبقه من بيانات ولكننا نخاف انه سيبقى ذكرى لحلم كاد ان يصبح حقيقة، والعناوين الوطنية تُرفع كشعارات رنانة، لكنّ الممارسة السياسية لا تزال عاجزة عن الترجمة العملية لأي مشروع إصلاحي فعلي. وليس أدلُّ على ذلك من تفشي ظاهرة الإفلات من المحاسبة في كل المجالات، من التعيينات إلى الهدر، ومن القضاء إلى الخدمات الأساسية.

ماذا عن السلاح غير الشرعي؟
الحديث عن السيادة لا يكتمل من دون التطرق إلى واحدة من أعمق التحديات التي تواجه الدولة اللبنانية، وهي مسألة حصرية السلاح بيد القوى الشرعية. فالدستور واضح في تكريس مرجعية الدولة وسلطتها الوحيدة على كامل الأراضي اللبنانية. وهذا المبدأ لا يُعزز فقط بالأمن، بل يُرسّخ عبر شراكة وطنية متوازنة لا تتيح لأي فئة أن تنفرد بقرار السلم أو الحرب، ولا أن تحتكر وظيفة الدفاع خارج الإطار الدستوري الشرعي. ماذا حصل حتى اليوم، أين نحن من مضمون خطاب القسم والبيان الوزاري، او لم يكفينا دمار نصف الجنوب والضاحية الجنوبية، ألم يكفينا الشهداء والجرحى والمدمرين بيوتهم ولا أحد يذكرهم او يتذكرهم او يسأل عنهم.

وفي ظل هذا الخلل أيضاً، نشهد اليوم انتهاكات للعدو الإسرائيلي يومية للسيادة اللبنانية، واعتداءات تطال أراضي ومواطنين في الجنوب والضاحية الجنوبية، وسط صمت محلي واستنسابية دولية، وشبه غياب لموقف لبناني فاعل، على المستويين الرسمي والدبلوماسي. شباب لبنانيون يتصيدهم العدو ويسقطون بهجماته الصاروخية، ولا تحقيق شفاف، ولا محاسبة، ولا تحرّك وطني يرقى إلى مستوى الحدث. هؤلاء ليسوا أرقاماً، إنهم أبناء هذا الوطن يحملون هويته ويعيشون على ارضه، من يقرر من يموت او لا يموت على ارضنا!!؟ من يقرر أنهم حزبيين او لا حزبيين، لماذا من نعرف انتماءهم وتمثيلهم الحزبي يشاركون علناً في مجالس واحتفاليات ولا يصيبهم مكروه ولا حتى زكام، وغيرهم يصطادون يومياً شمال وجنوب الليطاني، لماذا يُتركون لمصيرهم؟؟؟

أما في الداخل، فغياب المحاسبة يكاد يكون القاعدة لا الاستثناء.
تُمنح المناصب وتُعقد التعيينات، في وقت تغيب فيه الإنجازات. نضيء بعض شوارع العاصمة في احتفاليات إعلامية، بينما نسينا أن نسأل أولاً: من أطفأ نور لبنان لثلاثة عقود؟ من حرم اللبنانيين الكهرباء؟ من أهدر مليارات الدولارات في هذا القطاع؟
إن محاسبة من تسببوا بهذه الكارثة ليست عملًا انتقاميًا، بل ضرورة لبناء الثقة، وتحقيق العدالة، وردّ الاعتبار للناس.
لو حُوسب من سرق الكهرباء من بيوت اللبنانيين، لعادت بيروت إلى النور من دون الحاجة إلى مساعدة أحد.
وأموال المودعين وتعويضات الموظفين والأساتذة وغيرهم اي هي؟ هل سألتم عنها ام بعد الخطابات لا احد يبالي ؟؟

وفي ساحة القضاء، نرى ما هو أخطر: الإفراج عن متهمين في قضايا فساد، قبل استكمال التحقيقات، أو اتخاذ الإجراءات الاحترازية.
العدالة لا تعني فقط إطلاق من لم تثبت إدانتهم، بل حماية التحقيق من التسييس، وضمان أن لا يكون الإفراج باباً للهروب من المساءلة. لا أحد يصدق أن كل المتهمين أبرياء، بينما ١٠٠ مليار دولار تبخرت من الخزينة العامة ومن ودائع اللبنانيين.
أين اصبح رياض سلامة؟ ولماذا لا تفتح التحقيقات وتفتح الملفات ؟؟
هل سيكون امين سلام ومن معه العبرة وكبش المحرقة التي ستحرق فقط الشعب المعتر وأموال المودعين ؟؟

لقد تعلمنا في المدرسة أن “لا شيء يخلق من العدم، ولا شيء يختفي”… فإلى أين ذهب المال؟
تحوّل من حسابات الدولة والمودعين إلى جيوب من امتهنوا السلطة وسخّروا نفوذهم لمصالحهم، وأداروا البلاد بمنطق الغنيمة لا الدولة.

فلتتحرك الدولة، ليتحرّك العهد.
فالأيام تمر، والأعمار تمضي، والوعود تبقى حبراً على ورق إن لم تُقرن بجرأة القرار ونقاء النية وحكمة التنفيذ ونزاهة قضاء.

ما نحتاجه ليس خطابًا سياسيًا جديدًا، بل مسارًا وطنيًا صادقًا.
يعيد الاعتبار إلى السيادة، ويصون الحقوق، ويثبت أن الدولة لا تزال قادرة، إن أرادت.

#محمد_قاسم_قصب
#لبنان


اكتشاف المزيد من عكّار

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى