بقلم الدكتورة علا عيد
في قلب عكار، حيث الأرض تحكي قصص الكفاح اليومية، ويعرف الناس بعضهم البعض بالاسم والوجه والدم، تتكشف حقيقة الانتخابات بوضوح صارخ: المال الانتخابي لم يعد مجرد وسيلة دعم الحملة، بل تحوّل إلى أداة شراء أصوات، إلى سلعة تُقايض بها القيم والضمير، وإلى آلية لتسطيح السياسة إلى مجرد معادلة حسابية باردة.
إن السياسة ليست تجارة، ولا المواطن صندوقًا تُحسب فيه النقاط والمال، بل هي علاقة وجدانية وفكرية بين من يختار ومن يُختار، علاقة مبنية على الثقة والمعايشة اليومية، على فهم الواقع الإنساني بعمق، لا على تقمص الأرقام والوعود الزائفة.
هنا يظهر الفرق بين من عاش بين الناس، وشعر بهم، وعرف أحلامهم ومخاوفهم وهمومهم اليومية، وبين من يطل من بعيد، ويحاول أن يشتري الولاء عبر النقود والهدايا العابرة. الحاج وليد البعريني مثال حي على هذا التمايز: رجل عاش مع الناس، وفهم نبض الأرض والشوارع والبيوت، وعرف أن المسؤولية ليست أن تدفع لهم لتختار، بل أن تكون معهم، إلى جانبهم، صادقًا وفاعلًا. هذه الصدقية الإنسانية هي التي تُصنع الفرق، وليست محافظ المال المليئة بأوراق النقد.
إن المال الانتخابي قد يشتري لحظة، لكنه لا يشتري ضميرًا، ولا يزرع احترامًا حقيقيًا بين المواطن ومن يمثله. والوعي المجتمعي في عكار اليوم يتطلب من كل ناخب أن يسأل نفسه: هل أريد أن أبيع صوتي ليوم واحد، أم أن أختار من يعرفني، ويعرفني أنا، ويعمل لأجل مستقبلي وأجل بلدي؟
السياسة الحقيقية هي بناء مستقبل، وليس مجرد معركة أرقام. والقوة الحقيقية لأي مشروع انتخابي ليست في الأموال، بل في العلاقات الإنسانية المتجذرة، في الوفاء للناس، وفي القدرة على التغيير الفعلي. الحاج وليد البعريني، بحضوره الدائم بين الناس، وبفهمه العميق لمعاناتهم، يمثل هذا النموذج النادر الذي يعيد للسياسة قيمتها، ويذكّرنا أن النهضة تبدأ بالإنسان، وليس بالمحفظة.
عكار تستحق أكثر من صفقات الانتخاب، إنها تستحق من يعرفها، ويخاف عليها، ويعيش معها. ومن يملك هذا الفهم، هذا العطاء، هذا الانسجام مع نبض الناس، هو وحده الذي يستحق أن يحمل الراية ويمثلها بأمانة وصدق.
المال الانتخابي في عكار: بين القيمة الإنسانية والصفقات الانتخابية